بعد مرور ستة أشهر...لماذا لا يزال ’الكورونا’ يجتاح جميع أنحاء العالم

Publishing Date
بعد مرور ستة أشهر...لماذا لا يزال ’الكورونا’ يجتاح جميع أنحاء العالم
طواقم طبية تشارك في علاج المصابين بفيروس كورونا في الصين-أرشيف وكالات

بكين (شينخوا)- يشهد العالم تحطيما لأرقام قياسية فيما يتعلق بكوفيد-19 مع تسجيل ارتفاع صاروخي في عدد حالات الإصابة المؤكدة اليومية والذي تجاوز 200 ألف في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وتجبر العدوى المتصاعدة الدول على تعليق خططها لتخفيف القيود على الحياة العامة وإعادة فتح الاقتصادات تدريجيا. فقد أعيد فرض عمليات الإغلاق في مدن بدءا من أوروبا الغربية وحتى المحيط الهادئ، وتستقبل المستشفيات في أمريكا مرة أخرى أعدادا تفوق طاقتها، ما يدق ناقوس الخطر بشأن عودة أشد فتكا لفيروس كورونا الجديد.

لقد مر ما يقرب من نصف عام منذ بداية تفشي كوفيد-19. ولكن بعض الدول تكافح من أجل تسطيح المنحنى وتدفع في الوقت ذاته لتطبيق سياسات إعادة فتح سابقة لأوانها، حسبما يقول المحللون والخبراء.

وفي مواجهة وضع عصيب كهذا، ثمة حاجة إلى تعاون عالمي واتخاذ إجراءات مستمرة وجوهرية وعلمية لإنهاء الجائحة.

سرعة تحطيم الأرقام القياسية

لقد استغرق الأمر 10 أيام فقط ليصل عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في جميع أنحاء العالم إلى 11.9 مليون حتى اليوم الخميس من عتبة الـ10 ملايين المروعة، وفقا للبيانات الصادرة عن جامعة جونز هوبكنز.

وأصبحت الأمريكتان مركز بؤرة فيروس كورونا الجديد حيث تعد الولايات المتحدة، بتسجيلها لأكثر من 3 ملايين حالة، الدولة الأشد تضررا، تليها البرازيل بحوالي نصف الحصيلة في الولايات المتحدة.

وتشهد الولايات المتحدة، التي أُعيد فتح جميع ولاياتها الـ50 جزئيا في مايو، عودة مجددة للعدوى، مع تسجيل حالات الإصابة الجديدة اليومية في ولايات فلوريدا وكاليفورنيا وتكساس لأرقام قياسية جديدة.

فقد شهدت فلوريدا ارتفاع عدد حالات الإصابة إلى ما يزيد عن 10 آلاف حالة في اليوم لتبلغ في المجمل 200 ألف حالة. وأبلغت أكثر من 50 مستشفى في ولاية الشمس المشرقة أن وحدات العناية المركزة الخاصة بها قد وصلت إلى طاقتها الكاملة يوم الثلاثاء. واضطرت السلطات المحلية إلى إغلاق الشواطئ المكتظة بأناس لا يرتدون الكمامات ولا يحافظون على مسافة اجتماعية كافية.

إن الوضع مرعب، في حين أن الصورة الحقيقية قد تكون أسوأ بكثير. وقد قال روبرت ريدفيلد، مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أواخر يونيو إن الحالات في البلاد من المرجح أن تكون أعلى بعشر مرات من المبلغ عنها.

وحذر أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، يوم الاثنين من أن "سلسلة من الظروف المرتبطة بمختلف الولايات والمدن التي تحاول الانفتاح، بهدف العودة إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية، أدت إلى وضع تشهد معه البلاد الآن حالات إصابة تحطم الأرقام القياسية".

وفي ظل الانتقادات الموجهة للتعامل الهش مع الجائحة، أصر البيت الأبيض على أن الارتفاع ناتج عن عملية اختبار موسعة، وهو قول رفضه العديد من خبراء الصحة العامة.

وأشارت ((بوليتيكو))، وهي إحدى وسائل الإعلام الأمريكية، في مقال رأي نُشر مؤخرا إلى أن الولايات المتحدة مازالت لا تسيطر على مسألة الاختبار بعد ستة أشهر على بداية الجائحة.

وذكر روبرت سكولي، أستاذ الطب في قسم الأمراض المعدية والصحة العامة العالمية بجامعة كاليفورنيا، أن "الساسة الذين يشيرون إلى (العدد الأكبر من الاختبارات التي يتم إجراؤها) وإلى (المعدل الأقل من الوفيات ودخول المستشفيات) على أنهما شيء جيد يقومون ببساطة بتشويه الواقع"، مضيفا أن "حدوث المزيد من العدوى هو المشكلة، وليس إجراء المزيد من الاختبارات".

وقال روبرت لورنس كوهن، رئيس مؤسسة كوهن، "لا شك أن رد فعل الحكومة الأمريكية كان بطيئا للغاية وبسلطة مركزية غير كافية لتفادي ضخامة الكارثة الوبائية".

التوازن الهش

وخارج الأمريكتين، دفعت قرارات إعادة الفتح المبكرة وإجراءات الوقاية والسيطرة الفضفاضة العديد من المدن إلى الإغلاق. فقد أعادت الحكومات الإقليمية في شمال إسبانيا فرض القيود خلال عطلة نهاية الأسبوع لاحتواء ارتفاع في حالات الإصابة الجديدة، فيما أعلنت ولاية فيكتوريا الأسترالية عن فرض إغلاق مدته ستة أسابيع يوم الثلاثاء بالإضافة إلى إغلاق حدود البلاد بأكملها.

ومن ناحية أخرى، حدث ظهور للعدوى مجددا في الشرق الأوسط أيضا، حيث تسعى بعض البلدان إلى إعادة فتح اقتصاداتها مع عدم اتباع الإجراءات الوقائية بشكل صارم، ما يكسر التوازن الهش بين إعادة الفتح والسيطرة على انتشار الفيروس والذي يتطلب جهودا تقودها الحكومة على الصعيد الوطني بيقظة وحذر ومثابرة.

فقد شهدت تركيا قفزة مقلقة في عدد الإصابات منذ 12 يونيو، بعد أن أعادت البلاد فتح الأماكن العامة في أول يونيو. ومع استمرار البلاد في تسجيل أكثر من 1000 حالة إصابة جديدة يوميا، أصبح ارتداء الكمامة في الأماكن العامة إلزاميا للحد من انتشار المرض.

وقال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة يوم الاثنين "إن السبب في تسجيلنا لحالات إصابة يومية جديدة يتجاوز عددها الألف هو أن القواعد لم تتبع".

علاوة على ذلك، أعادت الحكومة الإسرائيلية فرض عدة قيود، بما في ذلك إغلاق الصالات الرياضية والحانات والنوادي الليلية وقاعات المناسبات، وكذلك الحد من عدد المصلين في المعابد يوم الاثنين، بعد أسابيع فقط من تخفيف الإجراءات الصارمة.

وذكر سيريل كوهين، نائب عميد كلية علوم الحياة بجامعة بار إيلان الإسرائيلية، بشأن ارتفاع الإصابات في إسرائيل "علينا تطبيق اللوائح. رأينا تجمعات تضم ألف شخص لا يرتدون كمامات...الناس غير منضبطين بما فيه الكفاية، وعلى الحكومة اتخاذ إجراءات فعالة".

وشددت جينا تامبيني، ممثلة منظمة الصحة للبلدان الأمريكية في كولومبيا، على الحاجة إلى مراعاة البيئات المتنوعة لكل مدينة في كل دولة، وألا يتم تخفيف إجراءات الإغلاق الموصى بها حتى يتم التحكم في سرعة انتقال العدوى.

وقالت "يجب على الحكومات المحلية والوطنية أن تسمح لديناميات انتقال العدوى بإملاء جدولها الزمني الخاص بوضع الإجراءات وإعادة الفتح. والهدف هو تسطيح المنحنى ثم تقليله بشكل كبير قبل تخفيف أي قيود".

الافتقار للتعاون

إلى جانب المبادئ التوجيهية الإلزامية من السلطات المحلية وإعادة الفتح الذكي والحذر، فإن هناك حاجة ماسة إلى التعاون العالمي الفعال، الذي يلعب دورا أساسيا في كبح الانتشار المتفشي للفيروس.

ومع ذلك، فإن الدولة الأشد تضررا من الجائحة تعزل نفسها عن التعاون العالمي. فقد قدمت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء رسميا إخطار انسحابها من منظمة الصحة العالمية إلى الأمم المتحدة، لتحرك بذلك عملية خروج البلاد من الهيئة العالمية وسط ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد.

ومع تسارع الجائحة، ذكر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في أواخر يونيو إن جميع البلدان التي تتعايش مع كوفيد-19 سيكون هذا هو الوضع الطبيعي الجديد لها في الأشهر المقبلة.

وأضاف قائلا "في جميع أنحاء العالم، رأينا أعمالا مؤثرة من الصمود والإبداع والتضامن والطيبة. لكننا رأينا أيضا علامات مقلقة على الوصم والتضليل وتسييس الجائحة".

ومن جانبه، قال شي تشين، الأستاذ في كلية ييل للصحة العامة ورئيس الجمعية الصينية لسياسات وإدارة الصحة "إننا نشهد عولمة بدون حوكمة عالمية، ما كشف عن ضعف البشر في مواجهة أمراض معدية رئيسية مثل كوفيد-19".

ودعا تشين إلى تعزيز التعاون العالمي في مكافحة الجائحة في أربعة مجالات رئيسية وهي تتبع الفيروس واكتشافه، وتقديم التقارير في الوقت المناسب إلى المنظمات الدولية، وتبادل المعلومات العلمية، وتقاسم الخبرات في مجال الوقاية من كوفيد-19 والسيطرة عليه.

وأضاف أن "إجراءات التباعد الاجتماعي وممارسات ارتداء الكمامات في الصين ودول شرق آسيا الأخرى أبطأت انتشار الفيروس بشكل فعال".

وأشار كوهين إلى أن التعلم من أخطاء بعضنا البعض أمر "بالغ الأهمية" فيما يتعلق بالتعاون الدولي.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمته خلال احتفال افتراضي بيوم فيساك العالمي 2020 الذي عقد الأسبوع الماضي، إنه فقط من خلال التعاون الدولي "سنخفف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة".

وذكر أنه "فقط من خلال تعزيز الروابط عبر المجتمع سنستعيد عافيتنا بشكل أفضل ونبني عالما أكثر صحة وشمولا واستدامة ومرونة وإنصافا".